كره من اول نظرة
لازلت اتذكر نظرتها المترجية حينما طلبت مني ان الف بسلة الفاكهة على الحضور، كانت تطبق نظرية ماري منيب، لم يكفها ان يراني ابنها الذي يكبرني بخمسة عشر سنة وانا جالسة امامه كالتحفة الملمعة متلفلفة بعباءتي حزنا على فقدان أعز الناس الى قلبي، فبالامس كنت بالمغسلة اشهد تكفينها واطبع قبلتي الاخيرة على جبينها واليوم تتدافع الاعين بين سواد الحاضرات وكاننا في عرض للعرائس بدل العزى، محزن ومؤلم هو الشعور ولكن بالنسبة لهن هو مجرد حدث عابر مؤقت تمضي من بعده الحياة وكأن شيئا لم يكن.
حاولت ان "اتصامخ" وان "استعبط" ولكن دون جدوى، فهي بالنهاية امرأة عجوز تريد ان تزوج ابنها. قمت بكل تثاقل اسحب عباءتي محاولة بكل جهد ان امشي باناقة فالعباءة الكويتية عدوي اللدود، عمري بضعة عقود ولكني مازلت اخذ كل الحذر حين المشي بها متفادية السقوط، وصلت الى الطاولة التي تتوسط الغرفة المليئة بالرجال والنساء المعزين وانحنيت لآخذ السلة ومشيت بها مبتدأة من جهة تجمع النساء عل واحدة منهن ترأف بحالي وتتولى المهمة، لم اتوقع بانهن كن متشوقات لبضعة حبات من الكرز والخوخ، لم اقدم صحون، اكل الفاكهة بالنسبة لي يحتاج طقوس اولها تعقيم يدي، واستمريت بتقديم الفاكهة حتى وصلت الى خطيب المستقبل الجندي الغير مجهول، لا، لا يمكن، لا اطيق حتى النظر الى وجهه، استطيع الحكم بانه لا يصلح لي من مجرد هالته المغناطيسية، ابتسمت ابتسامه صفراء ونظرت اليه بنظرة " لا اريدك " كم شعرت بشعور البضاعة المتنقلة ، ماذا كان يريد؟ ان يراني وانا واقفة وانا اتحرك وانا متشبثة بعباءتي كي لا اقع؟ حبيت احتوائها لي لحظتها على الرغم من كرهي الجارف لها، سوادها و حجمها الاكسترا لارج كان كالحصن الحصين الذي تحصنت به ليحميني مما كان يحمله لي المستقبل لحظة تمعنه بي، الزوج الغير مرتقب لم يأخذ التفاحة المسمومة من سلتي، هنا شعرت بقمة المهانة، فقد اثبت نظرية ماري منيب رحمها الله، الهدف كان مسح ضوئي لي وليس لاكل الفاكهه، لولا نظرتها المترجية والله لما قمت، آه، ليتهم يعرفون شعوري، اكملت طقوس الضيافة حتى آخر فرد جالس في الصالة، نظرت الى مقعدي واذ بعمي العزيز قد جلس فيه، نعم عمي، عزيزي، يحبني ولا يرضى علي المذلة، الان انا حرة، لست مضطرة بأن ارجع الى المعتقل، لجأت الى ابن عمي الذي نادرا ما اتحدث معه لعدم وجود مواضيع مشتركة بيننا، لجأت اليه واحتميت به، ابن عمي اللطيف الظريف، كم انا محظوظة بوجودك، تحدثت معه ونسيت الدنيا باكملها، لم يكن هناك شخص سواه، لقد تعمدت الحديث والضحك معه لاثير ذاك واجعله لا يفكر بي نهائيا.
حان وقت الافراج، ضمتني امه في حضنها وهمست باذني بكل محبة وتأمل بمستقبل بهيج وهي تلامس ثنايا خصري الممتلئ:
"عمره خمسين، وهو تاجر كبير، اين ناديه عنه؟"
من هي نادية؟ قد تتساءلون،،، هي امرأه عازبة قريبة من سنه قد غادرت التجمع قبل ان يصل، حيث كان محور حديثها مع النسوة عن كيفية البحث عن رجل.
ضحكت معها ومثلت الانبهار به، ودلفت.